تذكرة خروج آمِن لـلمبيد السام

المصدر:scientificamerican     رابط المصدر

"مشكلة عمرها 19 عامًا"، هكذا يمكن أن نصف أزمة تَراكُم ما يقرب من 1000 طن من الملوِّثات العضوية الثابتة عالية الخطورة في عدد من محافظات مصر، والتي قررت وزارة البيئة المصرية وضع حدٍّ لها بإطلاق مشروع "الإدارة المتكاملة للملوِّثات العضوية الثابتة".
الخطوة الأولى من المشروع انطلقت من مخازن وزارة الزراعة داخل ميناء الأدبية بمدينة السويس -125 كم شرقي القاهرة- حيث تقبع شحنة من مبيد "ليندين" الزراعي تبلغ 220 طنًّا. إذ جرى التعاقد، في ديسمبر 2016، مع شركة "بوليكو" Polyeco اليونانية المتخصصة لنقل الشحنة وحرقها بشكل آمن.
وتشمل خطة المشروع المموَّل بمنحة من البنك الدولي قدرها 8 ملايين دولار؛ حصر وتبويب المواد العضوية الثابتة في مصر ثم التخلُّص الآمن منها، وقد جرى تحديد المواقع الأكثر تلوُّثًا بهذه المواد، وهي السويس والقاهرة والجيزة، ودمياط وسيناء والإسكندرية، والبحيرة، جنوب الصعيد.
ويرجع التأخُّر في التعاطي مع الأزمة إلى خطورة مبيد لندين، المدرج ضمن الملوِّثات العضوية الثابتة طبقًا لاتفاقية "ستوكهولم"، التي وقعتها الحكومة المصرية عام 2005.
ووفقًا للاتفاقية، تلتزم الدول الموقِّعة باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على عدد من الملوِّثات ومنها "ليندين"، والتي وصفها تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنها مادة "سامة للحيوانات والبشر على حد سواء".
كما حذر التقرير الصادر في 2012 من التعرُّض لهذه المواد التي قد تؤدي -وإن بشكل منخفض- إلى الإصابة بالسرطان، واختلال جهاز المناعة، والإضرار بالجهاز العصبي وتلف الكبد، وفقدان الذاكرة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، واختلال الغدد الصماء، والعيوب الخلقية ومشاكل الإنجاب الأخرى.
رحلة التخلُّص من "ليندين"
ويشرح صلاح سليمان -أستاذ الكيمياء وسُمِّيَّة المبيدات بجامعة الإسكندرية- أن "ليندين" مبيد حشري، يُستخدَم في رش محاصيل الفاكهة والخضراوات، ويجب عدم استنشاقه أو تناوُل أطعمة ملوِّثة به.
إلى جانب ذلك فالليندين مقاوم للتحلُّل، وهو ملوِّث للهواء والماء، لذا حرصت إدارة الموانئ على إحكام غلق الشاحنات التي تحويه، كما تم اتخاذ العديد من الاحتياطات لنقله بشكل آمن.
لذا قامت وزارة البيئة -بالتعاوُن مع كلية العلوم جامعة الإسكندرية- بإعداد دراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي (ESIA) لعملية إعادة تعبئة ونقل الليندين وغيره من المبيدات الخطرة إلى الخارج، ودراسة البدائل المتاحة.
ويقول سليمان إن المقترَح الأول للتعامل مع المشكلة كان حرق المواد في أفران مصانع الإسمنت عالية الحرارة للاستفادة بها كمصدر بديل للطاقة، وهو النمط المتَّبع في بعض الدول الأوروبية، "إلا أن المخاوف تزايدت مما قد يصدر عن الحرق من ملوِّثات قد تكون أشد خطرًا من المادة ذاتها، مثل مشتقات الدايوكسين والفيورين شديدة الخطورة على البيئة وعلى صحة الإنسان والحيوان".
وفي عام 2012، توصل الخبراء إلى أن الطريق الوحيد للتخلُّص الآمن من الشحنة، وغيرها من الملوِّثات العضوية الثابتة، هو الأكسدة التامة فى أفران ذات تكنولوجيا عالية متوفرة فى عدد قليل من الدول مثل هولندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ليدخل ملف الشحنة نفقًا جليديًّا مجددًا.
وقد شملت الخطة التخلُّص ليس فقط من شحنة الليندين، لكن أيضًا من عدد آخر من المبيدات منتهية الصلاحية، وملوثات "بي سي بي"، كما يقول أحمد عبد الحميد -مدير مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة- لـ"للعلم".
ويسرد عبد الحميد السطور النهائية في الفصل الأخير من قصة "الليندين" قائلاً: "أجرت الشركة اليونانية عمليات التعبئة والتجهيز في عبوات مخصصة، وموافقة للمعايير الدولية، وتم نقل الليندين بعد الحصول على موافقات من 6 دول، وفق اتفاقية بازل بشأن التحكم فى نقل النفايات الخطرة والتخلُّص منها عبر الحدود".
ما بعد "ليندين"
لم تنتهِ القصة عند شحنة "الليندين"، يوضح "عبد الحميد" أن وزارة البيئة تعمل حاليًّا على تصنيف المبيدات المحفوظة في30 مخزنًا تابعًا لوزارة الزراعة، لبحث التخلُّص الآمن منها، وستكون الأولوية للأكثر خطورة.
ويتابع عبد الحميد "تتعاقد الوزارة الآن على أجهزة لتحليل ملوِّثات "بي سي بي" (PCB)، المتراكمة فى زيوت محولات الكهرباء، تمهيدًا للتخلُّص منها هي الأخرى، وذلك بالتنسيق مع وزارة الكهرباء والطاقة".
وكان وزير البيئة المصري خالد فهمي قد صرح في بيان صحفي بأن "المشروع يشتمل على مكوِّنين رئيسيين، وهما التخلُّص من مخزونات المبيدات منتهية الصلاحية عالية المخاطر، والمكون الثاني خاص بالتخلُّص من زيت المحوِّلات الكهربائية الملوَّثة بمادة ثنائي الفنيل متعدد الكلور PCBs".