مصنع أسمنت عملاق يتبع شركة دولية لها استثمارات في مصر ومصانع في أكثر من موقع بالصعيد والإسكندرية. الموقع على أطراف أثينا مختلف عن مواقع الأسمنت في طرة أو حلوان. الصورة التقليدية لمخلفات الأسمنت على البيوت والأرصفة وحتى أوراق الشجر غائبة تماماً. لا مخلفات ولا عوادم. ركزت وأنا الذي سكن في «حدائق حلوان» لسنتين- على صور الأشجار الطبيعية الخضراء بدون أي غبار أو تلوث فوقها، خاصة داخل مبنى المصنع والقريبة من الأفران العملاقة.
ذهبنا إلى مصنع TITAN بدعوة من شركة Polyco Group، لم يكن الهدف بالطبع هو تقديم دعاية للمصنع، ولكن لكي نطلع، أنا وعدد محدود من رؤساء التحرير وكذلك مديرة عام المواد الخطرة بوزارة البيئة، المهندسة غادة عبدالمنعم السيد والاستشاري المصري «أحمد عبدالحميد»، على تجربة هذه الشركة في تدوير النفايات وحرقها في مصانع الأسمنت. وشركة «بوليكو» هي شركة دولية فازت في المناقصة الدولية التي أجرتها مصر بإشراف وتمويل البنك الدولي ومرفق الصحة العالمي للتخلص من شحنة «اللندين» السامة والمجهولة المصدر في ميناء الأدبية بالسويس منذ عام 1998.
مسؤولو الشركتين قدموا لنا في محاضرة وافية في مقر مصنع الأسمنت أو داخل غرفة تحكم المصنع- المتقدم للغاية- طريقتين للتخلص من النفايات الخطرة- غير النووية بالطبع.
الأولى، هي التخلص التام من هذه المخلفات عبر استخدامها كوقود في مصانع الأسمنت. وعلى حد تأكيدهم، فإن الأفران العملاقة والتي تصل حرارتها إلى ألفى درجة مئوية تحرق هذه المخلفات ولا ينتج عنها أي غازات خطرة.
والطريقة الأخرى هي التخلص منها في أفران بيئية خاصة وليس كوقود. وزارتا البيئة والزراعة رفضتا من قبل، كما تقول المهندسة غادة، بحرق «اللندين» في مصانع الأسمنت وفضلتا نقله للمحارق الدولية المتخصصة.
شاهدت شبكات حديثة متطورة تدار بالكمبيوتر ولا مجال للتدخل فيها أو التجاوز عن نتائجها.. شاهدنا أيضاً، متابعة بالكاميرات و«الروبوت» لكل مراحل العمل.
هذا المصنع ورغم تطوره، وبسبب ندرة الوقود هناك وأزمة اليونان الاقتصادية، لجأت إدارة الشركة إلى استخدام نحو 30% من هذا الوقود المستخرج من المخلفات لتشغيل أفران الأسمنت.
في داخل شركة بوليكو نفسها، مساحة ممتدة للتعامل مع نفايات سائلة وصلبة من كل الأصناف- ما عدا النووية، وما عدا مخلفات الطعام أيضاً. كل المخلفات التي تدخل المصنع، يتم فرمها وتحويلها إلى وقود، أما «الصلبة» فيتم تحويلها إلى مادة دقيقة ومتماثلة لتدخل كمادة أساسية في بودرة الأسمنت.
أما الزيارة التي تستحق الإبراز والعرض، فقد كانت لشركة تدوير نفايات اسمها LPC ولكنها تتعامل في الزيوت البترولية المستخدمة. المهندسة غادة عبدالمنعم السيد قالت لنا إن تجاربنا في مصر في تدوير الزيوت غير ناجحة. نحو 90% من الزيوت البترولية والتى تمثل خطورة على البيئة وعلى المياه والتربة لا يعرف مصيرها. إحدى الشركات الكبرى تقوم بجمع الزيوت المستخدمة لكن لا توجد محفزات مادية أو بيئية.
شركات الأسمنت العملاقة في مصر- ومعظمها الآن «دولية»، سعت للحصول على هذه الزيوت لاستخدامها في الأفران. مسؤولو الشركة اليونانية، قالوا لنا إن لديهم نشاطاً في مصر ولكنه محدود للغاية. أعود لهذه الشركة، التي لديها نحو 33 ألف منطقة تجمع منها الزيت الخام من أنحاء اليونان. شبكة النقل تدار بالـ GPS. شاهدنا في غرفة العمليات آلية إدارة الأسطول العملاق. الشركة تعلم جيدا أن لديها رصيدا يوميا من هذه الزيوت لذلك فإنهم يجمعون مئات الأطنان سنويا.
يتم تكرير النسبة الأكبر منها. شاهدنا معمل تكرير متطورا للغاية، قالوا لنا إن جودة الزيوت مكنتنا من تصدير جزء كبير إلى الخارج واعتمادهم كموردين لسيارات حلف «الناتو».
وأعود لشحنة «اللندين» التي تستهدف مصر التخلص منها.
يقول استشارى المشروع أحمد عبدالحميد إنه تم استيرادها عن طريق إحدى الشركات لتصديرها إلى إحدى الدول الأفريقية. وقد تم تخزينها. مؤقتا (ترانزيت) بميناء الأدبية ولَم يقم المستورد باستكمال الشحن مما أدى إلى استمرار تواجدها بالميناء حتى الآن، حيث تم التحفظ على الشحنة بعد مقاضاة المستورد وانتهت القضية تماما عام ٢٠١٣ وحتى الآن الشحنة «نحو 80 طنا» متحفظ عليها ولا يتم التعامل عليها بدون إذن من النيابة العامة، وقد صدر مؤخرا قرار من نيابة السويس الكلية بتكليف جهاز شؤون البيئة بالتعامل مع الشحنة لإعادة تعبئتها وشحنها والتخلص منها وذلك عقب توقيع وزارة البيئة من خلال مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة عقد مع شركة بوليكو اليونانية للتخلص الآمن من هذه الشحنة خارج مصر بأحد المحارق عالية التكنولوجيا بفرنسا.
وتعد هذه الشركة، كما يقول عبدالحميد، من كبريات الشركات المتخصصة في التخلص الآمن من الملوثات عالية الخطورة، حيث تقوم بالتخلص من حوالي ٢٥ ألف طن سنويا من الملوثات الخطرة باليونان، وهو ما يمثل ما يقرب من ٨٠ ٪ من حجم الملوثات الخطرة السنوية باليونان. فضلا عن ذلك قامت الشركة بأعمال التخلص الآمن من كميات كبيرة من الملوثات العضوية عالية الخطورة من عدة دول على مستوى العالم منها لبنان والإكوادور وسلطنة عمان وكازخستان وغيرها من الدول.